يتناول هذا البحث النقاش[1] بين الواقعية الجديدة وبين الليبرالية الجديدة في إطار حقل العلاقات الدولية ويسلط الضوء على أهم طروحات النظريتين، وخاصة فيما يتعلق بوجهات نظرهما حول هيكل العلاقات الدولية وهل يحكمه الفوضى والصراع أم التعاون. كانت، ولا زالت، دراسة الصراع والتعاون في العلاقات الدولية من المهام الرئيسية للبحث والتحليل بالنسبة لمنظري وباحثي العلاقات الدولية، وأصبح هذا الترابط بين الصراع والتعاون القضية الرئيسية في النقاش بين النظريتين السائدتين في العلاقات الدولية. تعتبر تظريتي الواقعية الجديدة والليبرالية الجديدة من أكثر النظريات تأثيرا على العلاقات الدولية، ويعتبر النقاش بين النظريتين من أكبر واهم النقاشات في حقل العلاقات الدولية. يسعى هذا البحث إلى بيان وشرح الاسهامات النظرية لكل من النظريتين فيما يتعلق بالصراع والتعاون في العلاقات الدولية، ومدى مساهمة طروحات الليبرالية الجديدة، خاصة فيما يتعلق بدور المؤسسات الدولية في زيادة التعاون الدولي، وفي التقليل من هيمنة الرؤية الواقعية في العلاقات الدولية وخاصة فيما يتعلق بسيادة الفوضى والصراع من أجل القوة. تناقش هذه الدراسة أن النقاش بين الواقعية الجديدة وبين الليبرالية الجديدة لم يساهم بشكل كبير في تطوير نظرية العلاقات الدولية، حيث لم يساهم هذا النقاش بشكل كبير في التقليل من هيمنة سياسات القوة في العلاقات الدولية وحل المشاكل الدولية الناتجة عنها.
 [1] المقصود ب (النقاش) هنا هو النقاش النظري بين الواقعية الجديدة وبين الليبرالية الجديدة. وهو أحد (النقاشات الكبرى) أو (الحوارات العظمى)، حسب استخدام الباحثين، في العلاقات الدولية والمؤخوذة من الاصل الانكليزي (Great debates)، والتي تركز على النقاشات النظرية في تطور حقل العلاقات الدولية منذ بداية القرن العشرين. وهي تشمل، في الغالب، ثلاثة نقاشات كبرى: النقاش بين الواقعية وبين المثالية-الليبرالية، والنقاش بين الواقعية وبين السلوكية، والنقاش بين الواقعية الجديدة وبين الليبرالية الجديدة. وهناك من يضيف نقاشا رابعا مهما وهو النقاش بين الوضعية وما بعد الوضعية (انظر مثلا، تيم دان وآخرون، ترجمة ديما الخضرا، 2016؛Lake, 2013; Lapid, 1989 ).