Abstract

ركز بحثنا هذا على إحدى أهم الرؤى الفلسفية في تاريخ الفكر الفلسفي الصيني، والتي كان لها أثر كبير على الحياة الروحية، والفكرية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية في المجتمع الصيني، قديماً، وحديثا، ومعاصراً، ألا وهي فلسفة (التاو /اليانغ واليّن)، ولصعوبة هذا الموضوع و سبر أغواره، حددنا موضوعه بـــــ(الأبعاد الفلسفية لنظرية التاو عند لاوتسو )، وهو واحد من أهم حكماء الصين، فبعد تحديد المصطلحات الهامة داخل البحث، شرَّعنا بتناول الموضوع بأبعاده الثلاثة: البعد الأول : هو البعد الأنطولوجي( الوجودي)، والبعد الثاني: هو البعد الأبستمولوجي( المعرفي)، والبعد الثالث: هو البعد الأكسيولوجي ( القيمي و الأخلاقي)، تناولنا في البعد الأول ( الأنطولوجي ): أثر فلسفة التاو على فكر لاوتسو وكيف نظر لاوتسو إلى التاو وما هي صفاته وأفعاله، وما علاقة التاو باليانغ واليّن، وما علاقة اليانغ واليّن بعناصر الطبيعة الخمسة: النار،الماء، والهواء، والتراب، والخشب، و تطرقْنا من خلال هذا المبحث إلى نظرية الفيض والصدور عند الفيلسوف اليوناني ( أفلوطين ) محددين أوجه التشابة والافتراق بين نظرية ( التاو ) عند لاوتسو، ونظرية ( الفيض الإلهي ) عند افلوطين. وتناولنا في البعد الثاني الأبستمولوجي: نظرية المعرفة عند لاوتسو، فقد آمن لاوتسو بأن التاو العظيم هو من منح الإنسان الوجود، وهو من يكسبه المعرفة، ولا يتأتى للإنسان الحصول على المعرفة الحقيقية إلا من خلال تجنب إغواء الحواس وجموح العقل؛ والغوص في أعماق أعماق نفسه، ولا يمكن له ذلك إلا من خلال التأمل، التأمل المعتمد على التنفس الهادئ والخفيف، الذي يوصله الى مرحلة الصفاء الذهني؛ وعندها يمكنه الوصول إلى مرحلة الغبطة والسكينة وهي مرحلة اللاتفكير، مرحلة التجرد التي يتجرد فيها من كل مصدر معرفي، عدا مصدر واحد فقط ، وهو مرحلة الاتصال بالتاو العظيم؛ الذي يفيض عليه العلوم والمعارف، فيصير حكيماً تاوياً أي: (حكيماً إلهياً)، وتناولنا في البُعد الثالث: البعد الأكسيولوجي ( القيمي والأخلاقي)، وهو بعدٌ له من الأهمية بمكان في فكر لاوتسو، فالقيم الأخلاقية عند لاوتسو تختلف عن القيم والأخلاق في فكر كونفوشيوس، فإذا كانت الأخلاق عند كنفوشيوس أخلاق رتيبة مكيانيكة آلية، تتصف بأبعاد مجتمعية أكثر منها روحية، فإنها عند لاوتسو أخلاق ذات مبادئ وأسس روحية تمتاز بالبساطة والفردية، وبالتالي فهي أخلاق ديناميكية ذاتية، لذلك فالحكيم التاوي ليس معلماً أخلاقياً بل هو مؤدب روحي. فهو يعمل الأعمال الخيرة والصالحة دون أن ينتظر من أحد شكراً أو ثواباً أو مدحاً، للأنه يؤمن بأن الطبيعة تسير وفق قانون عام، هذا القانون العام يتوجب على التاوي أن يسير عليه، فلا يخالف ما تسير عليه الطبيعة، أي انه يقف موقفا وسطاً في الطبيعة، فهو ليس متطرفاً في افعاله وسلوكه، كما إنه يعرف أين يقف حتى لا يهوي فيسقط، ويعرف متى يتحرك حتى لا ينحني فيُكسر، وعندها يصل إلى مرحلة الكمال الإنساني. وذكرنا ايضاً في ثنايا هذا البحث ناحية هامة في الفلسفة التاوية وهي مسألة العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، فهي ليست علاقة جنسية بهيمية، بل هي علاقة لها أهداف وغايات تسير وفق الطبيعة الكونية، فإلى جانب تكوين الأسرة المكونة من الأب والأم والأبناء، لها جانب صحي حسب الفلسفة التاوية وهي: الصحة وإطالة العمر. كما أشرنا في ثنايا البحث أيضاً إلى فكرة أو معتقد التناسخ، الذي آمنت به الأديان والفلسفات الشرقية القديمة قديماً، وحديثاً، ومعاصراً، ولكن هذا المعتقد عند لاوتسو أخذ طابعاً آخر تماماً، فقد رأى أن مسالة التطهر لا تحتاج الى تقمصات طويلة، فبإمكان الإنسان أن يصل إليها في لحظة تأمل وصفاء روحي خالص وهي مرحلة الغبطة واللاتفكير.

Full Text
Published version (Free)

Talk to us

Join us for a 30 min session where you can share your feedback and ask us any queries you have

Schedule a call