Abstract

المحكم والمتشابه في القرآن الكريم من الموضوعات ذات الأهمية البالغة في دراسات أصول التفسير وعلوم القرآن الكريم، بل وفي أصول الفقه أيضاً، وذلك لما له من أثر عميق في صناعة الفهم للمرجعيات الإسلامية، وآليات التعامل معها، ثم الانتفاع بها، كما فيه أبلغ الدلالة على صلاحية القرآن الكريم لكل زمان ومكان، وذلك أولًا: بما اشتمله على قطعيات ثابتة لا تتبدل متعلقة بالكليات الإسلامية الكبرى كالإلهيات والغيبيات عمومًا وأصول العقائد، والأركان العبادية الأساسية من حيث الجملة دون التفاصيل، وأمهات الأخلاق العملية، سواء المطلوبة أم الممنوعة، إنْ على مستوى العلاقة مع الذات أو مع الآخر، وهو ما يتناسب مع كليات الطبيعة الإنسانية الفطرية الثابتة التي لا تتبدل كالرغبة في الخلود والسَّلامة والملك الذي لا يبلى، وما يختص بكل هذه من القرآن الكريم فهو ما يطلق عليه الآيات المحكمات، وهي أصل الكتاب وأمه. ثانياً بما حواه من نصوص مرنة وطيِّعة في تفاصيل الأحكام التكليفية، القابلة للتكيف والانسجام مع متغيرات الأحوال وتقلبات الظروف ما يحقق المصالح الكبرى والمقاصد الأساسية للدين الحنيف، وبما لا يتعارض مع ثوابته وقيمه السامية، فالله الحكيم أرادها كذلك لتناسب التحولات الجارية الكون الذي خلقه، فلا الكون يخرج عن آماد النصوص وآفاقها، ولا هي تضيق بتطوره وتغيره، في تناغم يؤكد أن مُنْزِلَ القرآن هو خالق الإنسان، وهذه الطبيعة هي تجعلها من المتشابهات. وعلى أهمية موضوع المحكم والمتشابه فقد مرَّ بمراحل من الفهم الإشكالي لدى السلف والخلف، سواء في تعريفه وضبطه، أم تحديد مساحاته ودوائره، أم في تحديد أصناف الفاهمين له والمدركين لمعانيه، كما يظهر في تفسيرهم لآية (آلعمران:7)، فقد غلب على أكثرهم حصر المتشابهات في دوائر الغيبيات التي لا تقع في مساحة المعقولات، وهي في أشهر أقوالهم مما لم ولن يدرك، وهو تعريف يجعل المتشابهات منطقة محظورة حمراء، محصورة التأثير مقصورة على التعبد بتلاوتها، وتهييج العواطف، وزيادة الإيمان، لما لها من اتجاه وعظيٍّ أو عقدي، دون أن يكون لها تماسٌّ مع الواقع المحسوس، والحياة العملية، بالرغم من حركية الإسلام وديناميكيّة نصوصه الشرعية، هذا من جهة، ومن جه أخرى كانت المتشابهات سلاحاً بيد الفِرق على اختلافها؛ فأدلتها محكمة وأدلة الخصوم متشابهة، بلا ضوابط تعصم العقل من الانزلاقات. كما درس المحكم والمتشابه كثيرون من المعصرين وحاولوا تجديد فهمه كما فعل طه جابر العلواني وطيب تيزيني وغيرهم، وقد وجدت في تجديدهم ما يستحق المناقشة، لكنه بعيد عن جديدي، لذا فأعتقد أن بحثي مبتكر وغير مسبوق من حيث الفكرة المركزية ونتائجها وتطبيقاتها، وكذلك يمكن أن تبرز الجدة في تحليل آية آل عمران، ولم أجد دراسة سابقة درست الموضوع من هذه لزاوية وبهذا التكييف. وبعد فإن البحث يهدف لإعادة النظر في مفهوم المحكم والمتشابه، عبر مناقشة ما اشتهر في تعريفهما، وبالتالي تحديد مساحة كل منهما وموضوعاته، لتحرير المتشابه القرآني بما يعزز مفهوم صلاحية النص القرآني لكل زمان ومكان، ويهدم فكرة التاريخية من جهة، وسيولة النصوص في فهمها من جهة أخرى وذلك عبر إعادة مناقشة آية آل عمران، وتدقيق النظر في مفهوم (المتشابهات)، ومفهوم (أم الكتاب)، ومفهوم (الزيغ) ومفهوم (التأويل)، وقد انتهى البحث إلى أن المتشابهات نسبية، وهي المساحة الخضراء في القرآن والتي يغلب عليها أنها تتعلق بفروع المسائل، مما يطرأ عليه تغيرات متجددة لتغير الزمان والمكان، وهي موضع المرونة والتفاعل والتَّكَيُّف، لذا فهي مظنة أن تكون موضعَ الخلاف والنزاع في فهمها وتنزيلها وتطبيقها، وهي المحتاجة من مفسري وفقهاء كل عصر تجديد النظر والتأمل فيها بما يناسب أحوالهم، بما لا يتعارض مع الأصول والثوابت ودون المسَّ بالعقائد وأركان الشرائع.

Full Text
Paper version not known

Talk to us

Join us for a 30 min session where you can share your feedback and ask us any queries you have

Schedule a call

Disclaimer: All third-party content on this website/platform is and will remain the property of their respective owners and is provided on "as is" basis without any warranties, express or implied. Use of third-party content does not indicate any affiliation, sponsorship with or endorsement by them. Any references to third-party content is to identify the corresponding services and shall be considered fair use under The CopyrightLaw.